الاثنين، 16 نوفمبر 2015

العدالة في الرياضات الروحيّة

مؤخرًا، فكرت مليًّا كيف أنّ مفهوم عدالة الله ينسجم تمامًا مع الرياضات الروحيّة الإغناطيّة. فمفهومنا الاعتياديّ عن العدالة هو أن يحصل الشخص على ما يستحقّه. ولكن مفهوم العدالة عند الله هو عبارة عن رغبة بأن نكون كاملين في الحبّ والرحمة.
justice-01
كان القدّيس إغناطيوس رجلّ عسكريّ من إقليم كاستاليا، عضوًا في منظومة تسعى لتحقيق العدالة عن طريق الاقتتال، والأسر، والانتقام. بعد أن أُسِر إنيغو (الاسم الأصلي للقدّيس إغناطيوس قبل اهتدائه)، وأُستُعمِرت أرض "النفار"، سعى المواطنون دحر الغزاة خارج البلاد، في معركةٍ حُصِرت فيها قلعة عائلة اغناطيوس. يُخبرنا القدّيس إغناطيوس في مذكّراته الشخصيّة، كيف رغب بالانتقام من مسافِرٍ تكلّم بالسوء على السيّدة العذراء. في الحقيقة لقد كانت نظرة القدّيس إغناطيوس لمفهوم العدالة مختلفة كليًّا عن نظرة الله لها.
يظهر التحوّل الذي حدث لفهم القدّيس اغناطيوس للعدالة في الأسبوع الأوّل من الرياضات الروحيّة، عندما يقضي المتريّض وقته في إعادة استذكار خطاياه الشخصيّة. وبعد أن يشعر المتريّض بالاشمئزاز تُجاه خطيئته، يكتشف أنّ الله باقٍ بإخلاصه وحبّه، وأنّ القدّيسون يستمّرون بالصلاة والتشفّع من أجله.
تفتحنا تأمّلات الأسبوع الثاني على الخطيئة الاجتماعيّة أيضًا. فنحن نشهد كيف أنّ المسيح كشف حقيقة الخطيئة أنظمة العدالة وفسادها في أيّامه. فعدالة المسيح هي عبارة عن نداء للفريسيّين أو للمرأة الزانية للوصول إلى الكمال. فلم تكن عدالته إدانة  بلّ حبٌّ غفور متعاطف.
justice-00في الأسبوع الثالث من الرياضة، تتجسّد عدالة الله على الصليب، لم يدين العالم على خطاياهم بل حملَها بنفسه. على الصليب غفر المسيح لقاتليه. وبالطبع، يخرج هذا النوع من العدالة عن مفاهيم الطبيعة البشريّة.
أخيرًا، في الأسبوع الرابع تظهر عدالة الله من خلال نعمة الحبّ الّتي يُغدقها علينا، فيمنحنا الشفاء والكمال. فيأتي في كتاب الرياضات: "أنظر كيف أنّ جميع الخيرات وجميع الهبات تنحدر من علُ، فمثلاً كيف أنّ قدرتي المحدودة تنحدر من القدرة العلويّة السامية واللامتناهية، وكذلك البرّ والصلاح والتحنّن والرحمة، إلخ، كما أنّ الأشعة تنحدر من الشمس، والمياه من الينبوع." (ر.ر ٢٣٧).
كيف لنا أن نعيش عدالة الله في حياتنا بشكلٍ تامّ؟ يمكننا أن نتعلّم من الرياضات الروحيّة وبمثال يسوع المسيح. فالله يبقى مُخلصًا بمغفرته، وأمينًا لندائه لكلّ واحد منّا نحو "المزيد من الكمال"، لا يدين أبدًا، بل يمنحنا المحبّة والرحمة. فبدلاً من الانتقام أو المحاولة لضمان نظام عدلٍ تامّ، نستطيع الاقتراب كلّنا بكلّيتنا ممتلئين بالعطف والرغبة بأن نكون كاملين. هذه هي العدالة الحقّ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق