الاثنين، 11 يناير 2016

روح المسيح














يا يسوع، أدعوك بكليّتك أن تدخل فيّ.
لكي يصبح جسدك ودمك طعامي وشرابي.
ولكي تصبح آلامك وموتك قوّتي وحياتي.
يا يسوع، عندما تكون إلى جانبي فلست بحاجة إلى أيّ شيء آخر.
إنّني أرغب أن يكون ظلّ صليبك هو المأوى الذي أسكن فيه.
لا تدعني أهرُب من المحبّة التي تعطيها، بل احفظني من قوى الشرّ.
وفي ساعة موتي، أرسِل نورَك ومحبّتك.
وادعني دومًا حتى ذاك اليوم الذي أمجّدك فيه، مع قدّيسيك إلى الأبد. آمين.

وصفة سحريّة لحياة هنيّة

عوضًا عن التفنّن بتحضير مخطّطاتك للسنة الجديدة، لِما لا تحاول تطبيق هذه القائمة البسيطة؟ أمور تستطيع تنفيذها بيسر على مدار العام:
* أقول شكرًا كلّ يوم، أقلّه لشخصٍ واحد.
* أتّخذ قرار "صحّيّ" بما يتعلّق بصحّتي الجسديّة، سواء على صعيد المأكل أو المشرب، أو على صعيد الراحة أو الحركة.
* أقوم بعملٍ إحسان ينمّ عن كرمي، سواء أكان هذا العمل صغير أم كبير.
* أقول "نَعم"، للنِعَم الموهوبة لي في كلّ يوم.
* أقتطع خمس دقائق من يوميّ الصاخب لأكون في سكينة وصمت.
* أُعبّر عن امتناني وتقديري لشخصٍ واحدٍ في نهاري.
* أقوم بأمور مُبدعة في كلّ يوم، سواء أكانت بسيطة، أم معقّدة.
* أسمح لنفسي بالتفكير بما يدور في حياة شخصٍ آخر أهتمّ لأمره.
* أقوم بعملٍ صالح واحدٍ، سبق وأن عقدت النية بالقيام به "عن سابق الاصرار والترصّد".
* أفتح قلبي، وذراعيّ لله.
وإن سبق لإحدى النقاط أن قمتَ بها اليوم، هذا يعني أنّه يمكنك القيام بها، مرارًا وتكرارًا.

خمس نصائح مفيدة لأسرتك في السنة الجديدة

لكن يمكن للمخطّط السنويّ العائليّ أن يساعدك على خلق روح الوحدة في منزلك والحفاظ عليها. وكذلك، من شأنه أن يُعلّم أولادك المعنى من وضع الأهداف المستقبليّة، وسُبل تحقيقها. لا يتوجّب عليك القيام بأمور تُغيّر من حياتك جذريًّا، لتلمس النتائج. على العكس، إذ يُحذّر خبراء علم النفس من "الشطحات" عندما تضع الخطّط المستقبليّة لعائلتك. وعوضًا عن ذلك، لتكُن القائمة مُقتصرة على الأمور البسيطة وذات المعنى فقط، بالإضافة إلى قابليّة تطبيقها دون مصاعب ماليّة. وهاكم قائمة من خمس خطط بسيطة ومُفيدة لعائلتك مع بداية السنة الجديدة.

١. التزموا بأوقاتٍ أقل أمام الشاشة، وأوقاتٍ أطول في التواصل ضمن الأسرة: إنّ أغلب الأُسر تعترف بأنّها تُمضي وقتًا أطول مع أجهزة التلفون الشخصيّة، وما شابهها، ووقتًا أقصر في التفاعل فيما بينها في البيت الواحد. وليس الأمر مدعاةً لملامة الصغار فقط، فالكبار مُدانون هم أيضًا بتصرّفاتهم المشابهة. وجلّ هذه الأوقات تؤدّي إلى إدمان أعمق على التكنولوجيا. لذلك، في هذا العام، حدّد الأوقات الّتي ستقضيها عائلتك مع الأجهزة الشخصيّة أو التلفاز. ولا تُصنّف ذلك كعقاب بل ركّز على أهمّية المُتعة المنبثقة من الصُحبة الّتي افتقدتها الأُسرة… بعض الأفكار بسيطة، كأن نتوقّف عن استعمال "الموبايل" حول المائدة، في الأوقات المُخصّصة للوجبات، أو تنظيم أوقات استراحة من استعمال الأجهزة الالكترونيّة، أو تخصيص منطقة محظور فيها اصطحاب الأجهزة الفرديّة (لابتوب، موبايل... ).

٢. المزيد من الوقت خارج المنزل: سمِعنا الكثير عن أهمّية تمضية الوقت خارج المنزل. فالأولاد ينمون بشكلٍ أفضل على الصعيد البدنيّ، وتُخفِف من سلوكهم العنيف، وكذلك تُجدّد من طاقاتهم الفكريّة، وتُطلق العنان لمُخيّلتهم. حتّى أنّ دراسات كثير تُفضي إلى أنّ أولئك الّذين يهتمّون بشؤون البيئة والمناخ، سبق وأن أمضوا جزءً من طفولتهم في الطبيعة. لذا، يمكنك أن تُخطّط لمشاريع كهذه بشكلٍ منتظم، والأمور ببساطة الذهاب وعائلتك إلى الحديقة العامّة، أو ممارسة الرياضة معًا، أو اكتشاف هواية جديدة للعائلة "كونوا مبتكرين".

٣. شجّعوا الطبيعة واهتمّوا بها: لتلتزم عائلتك بمقصدٍ بيئيّ! أعلِموا أولادكم أنّكم تهتمون بالبيئة، وتودّون أن يبقى كوكبنا جميلاً عندما يُصبحون بأعماركم… علّموهم طرائق للمحافظة على كوكبهم، وأهمّية المحافظة على بيئتهم خضراء نظيفة. وكما سبق وذكرنا، لتكُن الخطوات بسيطة، فمثلاً: باشروا باستخدام مستوعبات خاصّة بإعادة التدوير، انتقوا العبوات العائليّة لمنتجات التنظيف والتجميل (عبوات يسهل إعادة ملئها). وكخطوة أبعد، يمكن ترشيد استهلاك الماء، وكذلك الاعتماد بشكلٍ أكبر على المواصلات العامّة، والتخفيف من استخدام السيّارة (إن وجدت). وأعلم، إنّ أحد أكبر الأهداف في الحفاظ على البيئة، هو الاعتماد على الطاقة المستدامة في مصادر التدفئة والانارة (أستخدام الطاقة الشمسيّة).

٤. لتكن عطلة نهاية الأسبوع مغامرتكم: عادةً ما نعتمد على العُطل الطويلة لتكون محطّة من محطّات عائلتنا الخالدات… لكن الخبرة تقول، أنّ عطلة نهاية الأسبوع عادةً ما تكون مُملّة للأولاد، وينتهي بهم المطاف أمام شاشة التلفاز، لاخفاق أهلهم في التخطيط لعطلة نهاية اسبوع مثاليّة. ولتفادي هذا السيناريو، اكتب لائحة بأمور ترغب العائلة بانجازها أو القيام بها في محيط منزلكم… على سبيل المثال: تجربة محل المثلّجات الجديد في مركز المدينة، أو يمكنكم الاجتهاد أكثر وتمضية يوم على كورنيش البحر، أو الحديقة العامّة. وتذكّر أنّ الهدف هو القيام بالتخطيط لهذه المغامرة كعائلة "كفريق" والمشروع هو الوسيلة. قد تُضفي الأمور إلى نوع من المشاريع الخاصّة، مشروع بين الأهل وابنهم المُراهق، فثمّة فرصة ليشعر الابن / الابنة بأهمّية هذا اللقاء، والرغبة عند الأهل للاستمتاع بصحبته على طريقة الكبار…

٥. خطّط للقاءات أسبوعيّة: تتغيّر أُسرنا بشكلٍ مستمرّ، فالأولاد يتبدّلون بين مرحلة عمريّة وأُخرى، وقد تكون هذه التغييرات دراماتيكيّة… ونحن بدورنا، قد تشهد أحداث حياتنا تغييرات جذريّة، كتغيّر العمل، أو موت صديق قريب للعائلة. ففي لُجّة حياتنا المجنونة وصعوباتها، عادةً ما تُنحّي الأًسرة لقاءاتها لمناقشة الأمور الجدّية، والبحث في حيثيات حياة كلّ فرد على حِدة. وكيف للعائلة أن تجد حلاً لمشكلاتها ككلّ، وكفرد.

ولكسر حِدّة الفوضى الّتي بِتنا نعيشها في حياتنا الاعتياديّة، يمكن لاجتماع عائليّ أسبوعيّ، لمدة نصف ساعة أن يكون حلاً ناجعًا لتخطّي مشكلة عدم التواصل… ففي هذا اللقاء، يمكن أن نعرف ما جديد أفراد أسرتنا، كيف نُخطّط لمشاريعنا المستقبليّة. ويمكن على صعيد أعمق، أن نتناقش حول اخفاقات ونجاحات أولادنا، لكي نكون دومًا على اطّلاع حول ما يدور في حياتهم الخاصّة. ويمكن لهذا اللقاء أن يكون فرصة لمباحثة شجار داخليّ دار بين ولدين، أو أحد الأولاد مع ذويهم.

إنّ الهدف من هذه المخطّطات، أن نُعيد إحياء روح الأُسرة بيننا، وغرس بعض العادات الحميدة في حياة أولادنا، وجعل حياتنا مرِحة أكثر. وضع نُصب عينيك، أنّ تغذيّة العلاقات بين أفراد أسرتك، هو مُخطّطك للسنة الجديدة.

الأربعاء، 16 ديسمبر 2015

أربعة أمثال ليسوع مازلنا نفهمها بطريقةٍ خاطئة

قيل: "وُضع الدين ليُعزّي المتألّمين وليُحزن المُرتاحين". وهذا ما ينطبق على أمثال يسوع، فببساطتها هي قصصٌ قصيرة تحمل قيَم أخلاقيّة - لكنّها وُضعت بطريقةٍ مماثلة: لتُحزن. فهي تأسر قلوبنا بعذوبتها، ولكنّها تُقلقنا في الوقت نفسه. بالتأكيد يمكن قراءة هذه الأمثال على أنّها الحبّ الإلهيّ وسبيل خلاصنا. ولكنّها كانت رسائل تحدٍّ لِمَن رويت لهم في القرن الأوّل، يهود الجليل واليهوديّة. فقط عندما نضع أنفسنا مكان أتباع يسوع ومستمعيه، نختبر عمق هذه الأمثال، ونجد أنفسنا مندهشين أمام التحدّي الّذي تضعه أمامنا في يومنا هذا. ولبلوغ هذا الغرض، سنعرض أربعة أمثال ليسوع:  
مثل الابن الضال:
paraboles-01يروي لنا هذا المثل قصّة أبانا الّذي يحبّنا مهما بلغت أفعالنا من حقارة، إنّها فكرة مُحبّبة لدى الجميع، ولا أريد أن أنفيها. ومع ذلك، فلم تكن هذه الفكرة ما رغب يسوع إيصاله لمستمعيه، فهم يعلمون مُسبقًا أنّ أباهم الّذي في السماوات، مُحبّ وغفور ورحوم. لكنّ لوقا يُحضّر في إنجيله لهاتين الفكرتين (التوبة والمغفرة) بالطريقة التالية: إذ استهلّ هذا المثل بمثلَين قصيرين هما: مثل الخروف الضائع، ومثل الدرهم المفقود. ويُنهيهما الإنجيليّ بحقيقة أنّه سيكون في السماء فرحٌ بخاطئ تائب أكثر من تسعة وتسعين صالحين لا يحتاجون إلى التوبة". 
ولكن، أهذا بالفعل ما ترغب الأمثال أن تقوله لنا؟ لم يتكلّم المسيح عن خطيئة الخروف أو عن جشع النقود؛ فالخروف لا يشعر بالذنب والنقود لا تتوب. أكثر من ذلك، الراعي يفقد الخروف؛ والمرأة تفقد نقودها. ولكن الله لا يفقدنا بل يتفقّدنا. فالمثلَين الأوّلَيّن ليسا عن التوبة والمغفرة. بل عن العدّ: لاحظ الراعي خروفًا مفقودًا من أصل مئة، ولاحظت المرأة فلسًا مفقودًا من أصل عشرة. 
بحثوا، وجدوا، فرحوا، فاحتفلوا. وبعدها نصل إلى المثل الثالث. فتبدأ قصّة الابن الضّال: "كان لرجلٍ ابنان..." إذا ركزنا على الابن الضال، سنفهم البداية بشكلٍ خاطئ. كلّ يهوديّ مثقّف في الكتاب المقدّس يعلم أنّه في حال وجود ابنان، الله يرجّح كفّة الابن الأصغر: هابيل على قايين، اسحق على اسماعيل، يعقوب على عيسو، افرايم على منسى. 
ولا تسير الأمور في المثل كما نظنّ. لا يمكننا أن نعتبر الأمر مماثل مع الابن الأصغر هنا، الّذي "بذّر كل ما أخذه من أموال أبيه على حياة الفسق". وبعد ذلك إذا تأمّلنا في دهشة الأبّ وترحيبه بعودة ابنه الأصغر إلى المنزل، سنفهم بشكلٍ خاطئ الهدف من المثل مرةً أُخرى. ابتهج الأبّ ببساطة لمجرّد عودة ابنه: ابتهج وأقام وليمة، اذا توقّفنا هنا، فهذا يعني أنّنا فشلنا في العدّ. فالابن الأكبر ذكّر أباه عندما سمع صوت الموسيقى والرقص بأنّه كان يملك الوقت ليقيم احتفالاً ووليمة، ولكنّه لم يفكر بأبنه الأكبر أبدًا. هو لديه ابنان، ولكنّه لم يدخل في مسألة العدّ. مَثَلنا هذا هو أقلّ عن المغفرة وأكثر عن العدّ، والتأكّد من أنّ الجميع موجود ومعدود. 
مثل السامريّ الصالح: 
paraboles-02عادةً ما يتيه بنا فكرنا ومعلوماتنا عن الكتاب المقدّس عن الغاية الّتي ضرب يسوع من أجلها هذا المثل بالتحديد، وسنكتفي هنا باثنتين: 
إمّا أن يفترض القرّاء بأنّ اللاويّ والكاهن تجاهلا الشخص الجريح كي لا يتجنّسا. لكن هذا ليس له معنى، فكلّ هذه التفسيرات تُظهر الشريعة اليهوديّة بصورةٍ سلبيّةٍ. فلم يكن الكاهن ذاهبًا صعودًا إلى أورشليم، المكان الّذي يهتمّ فيه الشخص لطهارته، بل كان نازلاً إلى أريحا. والشريعة لا تمنع اللاويّ من لمس الجثث، وهناك العديد من الأسباب الأُخرى التي تبيّن أنّ طقوس الطهارة هنا ليس لها علاقة بالموضوع. يذكر المسيح الكاهن واللاويّ ليبيّن الفئة الثالثة. أن نذكر الفئتين الأوليّتين يعني بأنّ الحديث موّجه للفئة الثالثة أيضًا، على مبدأ: "الحكي إلك يا كنّة… اسمعي يا جارة". 
أو يُنظر عادةً إلى هذا المثل على أنّه قصّة الأقليّة المضطهدة: المهجّرون، الشاذّون،السامريّون. ولكنّهم ليسوا الأقليّة المضطهدة، بل الأعداء. ونحن نعلم هذا ليس فقط من المؤرّخ يوزيفوس، وإنّما من لوقا الإنجيليّ. في فصلٍ واحدٍ فقط قبل هذا المثل، نرى المسيح يعبر بمدينة السامرة، ولكنّهم رفضوا حسن ضيافته. علاوة على ذلك، السامرة كان لها اسم آخر: شكيم. في شكيم، اغتصب شيخها دينا ابنة يعقوب. وكان مركز أبيمالك القاتل.  
لذا، إذا كنّا عند البئر لحظة وصول يسوع إليه، ورأينا السامريّة، فأوّل ما يتبادر في ذهنها: "سيغتصبني. سيقتلني". ثم نُدرك: أنّ عدوّنا قد يكون أوّل شخص قد ينقذنا. وأعمق من ذلك، إذا سألنا ذواتنا ببساطة " أين السامرة اليوم؟"  
paraboles-03مثل عمال الساعة الأخيرة: 
يروي لنا هذا المثل قصّة مجموعة من العمّال أتوا ليعملوا في الحقل بأوقاتٍ مختلفة من النهار، لكنّ المالك دفع لهم الأجرة ذاتها. يُقرأ هذا المثل في بعض الأحيان من نظرة مُعادية لليهود، وبالتالي فإنّ الأجير الأوّل هو "اليهوديّ" الّذي يُعيد إرسال الوثنيّ والخاطئ إلى حقل الرّب، وهذا سوء فهم آخر. 
لم يستقبل مستمعي يسوع هذا المثل على أنّه توجيه للخلاص إلى الحياة الأبديّة، بل قصّة تتناول حالتهم الاقتصاديّة في وقتها. درسًا عن كيفيّة مطالبة العمّال بحقوقهم. وكيف لأصحاب الأموال والموارد أن يتيقّظوا لحالة البطالة في بلادهم. لم يطرح يسوع فكرة محاربة البطالة أو مشاركة الموارد من عدم. فالمشكلة عينها كانت منذ أيام داوود الملك. ولكن، إن كنّا لا نعلم المصادر التوراتيّة والإنجيليّة، مرةٍ أخرى سنقع في سوء فهمٍ للمثل. 
مثل اللؤلؤة الثمينة: 
paraboles-04يروي هذا المثل قصّة رجلٍ باع كلّ ما يملك للحصول على لؤلؤة ثمينة. عادةً ما يفسر المثل مجازيًا بأنّه يخبرنا عن مركزيّة الإيمان، أو الكنيسة، أو يسوع، أو الملكوت. ولكنّ هذا التفسير يتجاهل ما الذي تمثّله اللؤلؤة. لن نستطيع فهم روح السخرية الكامنة في هذا المثل من منظورنا اليوم، فالمثل أقرب للفكرة التالية: التاجر (بائع بالجملة) الّذي يبيعنا بالعادة ما لا نحتاجه بسعر لا نتحمّله… يبيع كلّ أمواله من أجل لؤلؤة، مهما علا ثمنها يبقى بخسًا بالنسبة للتاجر. لا يمكن للتاجر أن يأكل اللؤلؤة، ولا أن يجلس عليها، ولا أن تكسي عريه، لكنّه كان يؤمن أنّ هذه اللؤلؤة تُتمّم مشاريعه الاقتصاديّة (غايته من هذه الحياة).  
والسؤال ماذا لو كان المثل يتحدّانا لنحسم أمرنا تُجاه لؤلؤتنا الثمينة؟ إذا كنّا نعرف طموحنا المطلق، عندها سنصبح أقل اكتنازًا. فنحن لن نكدح من أجل أشياء صغيرة. وعلاوةً على ذلك، سنصبح قادرين على محبّة جيراننا بشكلٍ أفضل، لأنّنا سنعلم ما هو الأكثر أهميّة بالنسبة لهم. 
إنّ أمثال يسوع تستفّزنا، لأنّها تخبرنا بطريقةٍ ما، ما نعلمه مسبقًا بأنّه صحيح، ولكن لا نريد أن نعرفه. والسؤال الأخير: ماذا لو كنت غير مسيحيّ؟ ألا أجد معاني عميقة في هذه الأمثال؟ إذا كان الغريب تحرّكه أمثال يسوع لهذه الدرجة، فكم بالحريّ الأشخاص الذين يسبّحونه إلهًا ومخلّصًا؟ 

دور المرأة الليتورجيّ في الكتاب المقدّس

هل يمكننا التكلّم عن دور المرأة الليتورجيّ في الكتاب المقدّس؟ ما هي المهامّ التي يُمكن إسنادُها إلى المرأة والتي توافق شخصيّتها وطبيعتها ومواهبها ودورها الأنثوي؟ إنّنا إذ نعي وضوح الأدوار الليتورجيّة، لماذا يصبح الأمر ملتبسًا عندما ننسبه إلى المرأة؟ هل ما زالت أصداء التمييز بين الرجل والمرأة ترنّ في بالنا رغم الاهتمامات التي حظيَتْ بـها المرأة في الكنيسة؟ هل صحيح أنّ التباين الجنسيّ بينها وبين الرجل هو الذي يُثير مسألة كهذه؟ لماذا لا نعتبر أنّ التمايز يشكّل مصدرًا للمكانة الفردية لكلٍّ منهما ولخصائصه وميزاته؟ وأخيرًا، إذا كان الله حبا المرأة سهولة التواصل الإنسانيّ فما هي العوائق التي تحول دون إسدائها دورًا أساسيًا في الخِدَم الليتورجيّة؟

1-  بعض المعطيات الكتابيّة
...
role_liturgique_de_la_femme1-02 2- بعض الأسباب التي تمنع المرأة من القيام بالدور الليتورجي الذي يقوم به الرجل
إنطلاقًا من الكتاب المقدّس يُمكننا أن نجد أسبابًا تعليليّة تحدّد دور المرأة ببعض المهام الليتورجيّة دون سواها؛ منها ما يعود إلى نموذجيّة المسيح، أو إلى التقليد، أو إلى الخَلق والأنتروبولوجيا، أو غيره.
2-أ- نموذجية المسيح
يشكِّل الجنس الذكوريّ عنصرًا ذا علامة أسراريّة يتأتّى مباشرة من إرادة المسيح ذاته. فالطريقة التي تصرّف بـها المسيح تبدو نموذجيّة. أضف إلى ذلك، فالأسرار التي أسّسها ابن الله ترتبط بالتاريخ بصورة دقيقة، لأنّ المسيحيّة وُلدت إثر حدث تاريخيّ: إنّه مجيء ابن الله في الزمن وفي بلدٍ معيّن. والأسرار تشكّل ذكرى لأحداثٍ خلاصيّة، ولهذا فإنّ علاماتها ترتبط بـهذه الأحداث عينها. إنّها تتعلّق بحضارة وثقافة معيّنة بالرغم من أنّها مهيّأة لأن تتكرّر في كلّ مكان وحتى نهاية الأزمنة. وعليه، فإنّ يسوع لم يدعُ أيّة امرأة لتنتمي إلى الرسل الاثني عشر، أو لتقوم بالمهام التي أوكلها إليهم، فلهؤلاء أعطى يسوع مفاتيح ملكوت السماوات بصورة حصريّة. وبالتالي، فكهنوت الخدمة الناجم عن فعل تكريس خاص، يجعل الرجل نظير المسيح الكاهن، لكي يتمكّن من القيام، وباسم المسيح، بعمله في العشاء الأخير وعلى الجلجلة. فتمثيل المسيح بشخص الكاهن ليس وظيفة بحتة، ولكنّ الكاهن ملتزم بكلّ كيانه، وبصورة خاصة بذكورته، بأن يكون أيقونة المسيح في وسط الجماعة المؤمنة[1]  . فالمرأة غير قادرة بأن تنعم بالميزة التي حظي بـها الرجل بأن تمثِّل المسيح من خلال تماثل شخصيّتها وإيّاه. وإذا كان الله أراد أن يظهر على الأرض بشكل جسد رجل، فهو بالتالي يريد أن يستمرّ في الظهور في الجماعة المؤمنة بالشكل عينه محوّلاً الرجل إلى رمز أسراري، والرموز الأسراريّة عليها أن تمثّل ما تعنيه من خلال الشبه الطبيعيّ. من هنا، عندما نقوم أسراريًا بدور المسيح في الإفخارستيا، من غير الممكن أن نُسندَه إلى امرأة لأنّ المسيح تجسّد كرجل.
 2-ب- التقليد
لا يُمكن للمرأة أن تمارس الكهنوت وذلك بموجب إرادة إلهيّة. والتقليد الكنسيّ الذي يشكّل امتدادًا لموقف يسوع، حافظ على عدم إعطاء سرّ الكهنوت للمرأة أمانة من الرسل وخلفائهم لإرادة المؤسّس. فبعد الصعود، شغلت مريم مكانًا ذا امتياز (أع 1: 14)، ولكنّها ليست هي التي دُعيَتْ لأن تنضمّ إلى جماعة الرسل بل اختار هؤلاء رجلَين متيّا وبرسابا بغية وقع القرعة على أحدهما (أع 1: 21-26). لقد حاول بعضهم شرح موقف يسوع والرسل إنطلاقًا من تأثير البيئة والزمن. ولكنّنا نجد في الأناجيل أنّ يسوع اخترق انحيازات عصره وخالف التمييز الممارس إزاء النساء[2]  . أمّا بالنسبة لبولس الرسول، إذا كنّا ندين له بالنص الذي ربّما يكون من نصوص العهد الجديد الأكثر بأسًا في المساواة بين الرجل والمرأة كونهم جميعًا أبناء الله في المسيح[3]  ، هذا لا يعني أنّه علينا أن نستعمل مبدأ "ليس هناك ذكرٌ وأنثى" لأنّ هذا المبدأ إذا كان يُثبت المساواة المطلقة بين الجنسين على مستوى العماد والكهنوت الملكي، فلا يمكنه أن يُطبَّق على مؤسّسة كهنوت الخدمة التي تملك قواعدها الخاصة.
 2-ج- الخلق والأنتروبولوجيا
كثيرٌ من الناس يعتقدون أنّ النساء هنّ، معنويًا وروحيًا، أدنى درجة من الرجال، أمّا على الصعيد الجسدي فهنّ نجسات. من هنا، على المرأة أن تخضع للرجل تماشيًا ونظام الطبيعة، إذ إنّه في الخلق، سبق الرجل المرأة في الوجود، فهو بالتالي المؤهّل للتسلّط بلا منازع، وبما أنّ الكهنوت هو عملٌ إداري، يبقى أنّه على الرجال أن يزاولوه بصورة حصريّة[4]  .
لقد وُصفَت المرأة بأنّها مذنبة بالطبيعة، كونها وقعت في الخطيئة وجذبت الرجل إلى السقطة، فهي تحتفظ بضعفها الطبيعي وتبقى واهية وخاضعة للاندفاع اللاإرادي وتتأثّر بالإغراءات بسهولة.
عندما يفرض بولس الصمت على النساء في الجماعات، فهو يقصد مهمّة التعليم الرسميّة في الجماعات المسيحيّة كما توحيه لنا الرسالة الأولى إلى طيموتاوس: "لا أجيز للمرأة أن تعلِّم ولا أن تتسلّط على الرجل، بل تحافظ على السكوت" (2: 12)[5]  . فبولس الذي يقرّ علانية بدور العنصر النسائيّ الممثّل في الجماعات الليتورجية وبالتحديد في الصلاة والنبوءة (1كو 11: 5)، هو بذاته يرفض بتاتًا بأن تُعطى المرأة حقّ التعليم في الجماعة، إذ إنّ التعليم الموازي للوعظ في أيامنا يتّسم بطابع رئاسيّ لا يتطابق مع حالة المرأة التي خُلقت بعد الرجل وتبقى في حالة خضوع له. بالرغم من الإكرام للمكانة الرفيعة للعذراء مريم، ظلّت وصمة الخطيئة مرتبطة بالمرأة، فهي تشكّل خطرًا دائمًا كونـها تحرّض على الإثم، لذلك فهي غير مخوَّلة لأن تقوم بأدوار في الاحتفالات الليتورجية. بشكل عام، لا شك في أنّ الرؤية الأنتروبولوجية تتمحور حول طابع الذكورة، بحيث إنّ المرأة تُنسَب إلى الرجل دون أن يكون العكس صحيحًا لأنّ الرجل يشكِّل الجنس المثالي للبشرية.
3-   بعض الأسباب التي تُجيز للمرأة القيام بالدور الليتورجي الذي يقوم به الرجل
 role_liturgique_de_la_femme1-013-أ- الخلق والأنتروبولوجيا
"فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكرًا وأنثى خلقهم" (تك 1: 27). في هذه الآية تبدو المساواة بيِّنة بين الرجل والمرأة. إنّهما متساويان ومتكاملان في الكرامة. أمّا خضوع المرأة للرجل "إلى رجلِك تنقاد أشواقك وهو يسودكِ" (تك 3: 16)، فلا يتعلّق بعمل الخلق بل هو نتيجة الخطيئة. ثمّ، أليس صحيحًا أنّ عاقبة خطيئة حواء قد التأمت وفُديت بالولادة الطاهرة والقبول المجاني والحرّ لوالدة الله؟
من جهة ثانية، إذا اعتقدنا أنّ المرأة تأتي في الدرجة الثانية بعد الرجل لأنّها أُخذت منه، إذًا عليها أن تخضع له، فهذا يعني تلقائيًا أنّ الابن الذي أُخذ من الآب يأتي في درجة ثانية وعليه أن يخضع له؛ والحال أنّه، في الله الثالوث لا يوجد أيّ بُعد للوقت الماضي أو المستقبلي لأنّ عنده الحاضر الأزلي، ثمّ إنّ ركيزة إيماننا تقوم على أنّ الابن مساوٍ للآب في الزمن والجوهر[6]  . وعلى صعيد آخَر، إذا سلّمنا أنّه على المرأة أن تتبع الرجل كونه خُلق أولاً، أفلا نجد التبعيّة ذاتها من الرجل للمرأة؛ فها هي حواء تهتف بعد ولادتها قايين: "قد اقتنيتُ رجلاً من عند الرب" (تك 4: 1). فكما أنّ المرأة تنحدر من الرجل بفضل العمل الإلهي، هكذا على الرجل بدوره أن يدين بنشأته إلى المرأة، وذلك طبعًا بفضل الله. يؤكّد بولس هذا التبادل في التبعية: "فكما أنّ المرأة استُلّت من الرجل، فكذلك الرجل تلده المرأة، وكلُّ شيء يأتي من الله (1كو 11: 12).
في تك 2: 23، يكتشف آدم باندهاش أنّ الشخص الذي يقف أمامه ليس بالحقيقة سوى هو بذاته، أّنه وجه آخَر لكائنه؛ فهو لم يتّخذ اسمًا له إلاّ بعد أن سمّى امرأته: "هذه تسمّى امرأة (hV'ai  ) لأنّها من امرئ (vyai  ) أُخذت". يشكّل الرجل والمرأة وحدة متكاملة، فهما يشتركان بالطبيعة ذاتها، والاسم الذي يعطيه الرجل للمرأة يبدو وكأنّه اسمه هو مع إضافة علامة التأنيث.
وفي العهد الجديد، لا نجد أيّ مبدأ يمنع المرأة من الصلاة أو ممارسة النبوءة في الجماعات الليتورجيّة. ففي 1كو 11: 3-16 يحدّد بولس سلوك النساء المتزوِّجات في ممارسة هذه الخِدَم القائمة على تغطية الرأس أثناء الصلاة، ولكنّ هذا الحدّ بذاته لا تُمليه إلاّ عادات المجتمع آنذاك. والسبب في تشديد بولس على هذه الفكرة هو أنّه في كورنتس كانت تشاع فكرة غنوصية ثنائية تُنكر كلَّ تمييز بين الرجل والمرأة، فالجنس يخصّ الشهوة والمادّة ولا يكترث بأمور الروح. يعترض بولس على عدم التمييز هذا، إذ إنّ المساواة بين الرجل والمرأة (غل 3: 28) لا ينفي تمايزهما ودورهما الخاص بطبيعة كلٍّ منهما على حدة. ثُمّ في ما يتعلّق بلباس المرأة في الجماعات، يريد بولس أن يشدّد على الحشمة والتواضع. ففي الأديان السرّيّة، كان شعر النساء مشعّثًا ورأسهنّ مكشوفًا، وبولس يعارض إدخال مثل هذه العادة إلى الجماعات المسيحية.
أمّا في ما يخصّ 1كو 14: 34-35، لو كان بولس يعتقد أنّ إعطاء المجال للمرأة لأن تتكلّم في الجماعة يشكِّل تجاوزًا غير مسموح به، لكان أدلى برأيه منذ الفصل الحادي عشر، ما يحدو بنا إلى القول إنّه من المحتمل أن يكون هذا الملحق متأتّيًا من الوسط اليهو-مسيحي[7]  . أمّا حتى ولو سلّمنا بأنّ المقطع أصيل، فالمقصود أنّ بولس يرغب تفادي التكلّم سويّة في الجماعات، فهو قد سبق وطلب من الرؤساء أن يتّفقوا على افساح المجال للآخرين بالتكلّم مداورةً: "لأنّه بوسعكم جميعًا أن تتنبّأوا، الواحد بعد الآخر، ليتعلّم جميع الحاضرين ويتشدّدوا" (1كو 14: 31)، وها هو الآن يتوجّه نحو الجماعة بذاتها، حيث يفرض الصمت على النساء ربّما لمقاومة إفراط "الثرثارات اللواتي يتشاغلن بما لا يعنيهنّ ويتكلّمن بما لا ينبغي" (1طيم 5: 13). إنّها قواعد اللياقة والآداب وحسن التصرّف المتأصِّلة بكل مجتمع. وبالتالي، فالأحاجيج التي يقدّمها بولس تتعلّق بسنن النظام والاجتماع وليس باللاهوت.
في 1طيم 2: 11، يطلب بولس من المرأة أن تتلقّن التعليم وهي صامتة بكلّ خضوع؛ يبدو واضحًا أنّ بولس يقاوم بدعة كان العنصر النسائي يساهم في نشرها، كما جاء في 2طيم 3: 2-7، حيث إنّ بعض الناس "المحبّين لأنفسهم وللمال، المتعجرفين، المتكبّرين، الشتّامين (...)، كانوا يتسلّلون إلى البيوت ويفتنون نسيّات مثقلات بالخطايا، منقادات لمختلف الشهوات، واللواتي يتعلّمن دائمًا ولا يستطعن البلوغ إلى معرفة الحق".
باختصار نذكر:
-إن أسباب الاحتشام واللياقة التي يعرضها الرسول ليست جوهريّة، بل أخذها بعين الاعتبار ليُبيّن لنا أنّ الإيمان يدخل في العالم ليروحنه تدريجيًا لا ليخترقه ثورويًا. هذه الأسباب ليست إذًا إلهيّة بل قابلة للتغيير.
-من جهة أخرى، تندرج الأسباب التي يقدّمها بولس في إطار الدفاع عن الإيمان المسيحيّ. هو يسعى إلى تحذير الجماعات المسيحيّة من البدع، وبنوع خاص من الاستخدام المفرط للمهام الأنثويّة بغية نشر الأفكار المبلبلة.
-نجد في رسائل بولس صدًى للأحاجيج التقليديّة، لاسيّما تلك المأخوذة من تك 2-3 والمستوحاة من تعاليم الربّانيين حول عُطوبيّة المرأة وضعفها أمام الخطيئة. غير أنّ بولس يُظهر الفرق في تلطيف براهينه، وهذا ما يجعل الأمور تجري بطريقة مختلفة، بحيث إنّ الرجل بدوره عليه أن يخضع لزوجته: "ليخضع بعضكم لبعض بتقوى المسيح" (أف 5: 21).
-للوهلة الأولى، يبدو لنا أنّ التفكير اللاهوتيّ البولسيّ يقوم على أنّ الزوج وحده قادرٌ أن يكون وسيط الخلاص: "لأنّ الرجل رأسُ المرأة كما أنّ المسيح رأسُ الكنيسة التي هي جسده وهو مخلِّصها" (أف 5: 23)، شرط أن يمارس وساطته "في الرب" ولكنّه لا يلبث أن يُقيم شوازات، عندما يجعل من الزوجة المسيحيّة أهلاً للوساطة الخلاصيّة في شأن زوجها غير المؤمن: "لأنّ الزوج غير المؤمن يتقدّس بامرأته" (1كو 7: 14).
ختامًا، نستنتج أنّ المرأة هي كائن مخلوق على صورة الله، وبذات الفعل، هي قادرة على المشاركة في الحياة الإلهيّة بالاتّحاد مع المسيح، إذ ما من شيء يمنعها من أن تشارك الرجل الاحترام والكرامة والمسؤوليّة في النداء الإلهيّ.
3-ب- الطبيعة الإنسانية والكريستولوجيا
role_liturgique_de_la_femme1-00خلق الله الرجل والمرأة في المساواة بالطبيعة، وأعطاهما كليهما الحقوق ذاتَها، كما دعاهما سواسية إلى الفرح الأبديّ. ففي حين أنّ الانتماء إلى الجنس المذكّر أو المؤنّث هو تفصيل ثانويّ ومؤقّت للوضع البشريّ لأنّه لا يدوم بعد القيامة، تبرز الطبيعة الإنسانيّة المشتركة كضرورة للخلاص ولوحدة الحياة المتجليّة كاملة: "لأنّكم جميعًا واحدٌ في المسيح يسوع" (غل 3: 28)، والمرأة المعمَّدة كما الرجل المعمَّد قد اتّحدا بالمسيح، لأنّهما بالعماد قد لبسا المسيح (غل 3: 27). يُعرب بولس عن المماثَلة الدقيقة إلى أبعد حدّ باستعماله فكرة الصورة-الأيقونة الموحية: "ونحن جميعًا نعكس صورة مجد الرب بوجوه مكشوفة كما في مرآة، فنتحوّل إلى تلك الصورة" (2كو 3: 18). لا لزوم ولا ضرورة لأيّ تمييز في الجنس، فصورة المسيح لا تكمن في الشبه الجنسيّ مع يسوع الرجل، بل في التشبّه بسيرة حياته الرحومة والمحرِّرة بقوة الروح[8]  . وإذا كانت المرأة خلقت على صورة الله، فكيف تعجز أن تكون على صورة المسيح؟ وبالتالي، كيف يمكن تبرير التناقض بين الأنتروبولوجيا اللاهوتيّة والكريستولوجيا؟
بالتالي، أن نقول أنّ الكاهن عليه أن يكون رجلاً ليعبِّر عن الشبه بالمسيح، يبدو غير مقنع. زيادة على ذلك، فالكاهن لا يتماهى مع المسيح، وإلاّ لتحوّل هو بنفسه إلى إفخارستيا، والحال أنّه عندما يحتفل بالعشاء السرّي ويقول كلام التأسيس، يتكلّم بصيغة الغائب وليس بصيغة المتكلّم. ثمّ، ألا تقدّم لنا كريستولوجيا العهد الجديد الحكميّة يسوع المسيح بشكل شخص الحكمة الخالقة، الفادية والمجدّدة شعب الله؟ فيسوع، بأقواله وأفعاله، يظهر كأنّه ابن الحكمة، نبيّها وتجسيدها[9]  .
أخيرًا، إذا أخذنا بالقول المسيحي المأثور:"كلّ ما لم يأخذه المسيح بالطبيعة، لم ينل الخلاص"، هذا يعني أنّ النساء لم يزلن خارج دائرة الخلاص، لأنّ "الكلمة" عندما أخذ جسدًا، لم يأخذ الجسد الأنثوي[10]  .
 3-ج- التقليد
إذا كان صحيحًا أنّ التقليد البيبلي يسلّم بأنّ التاريخ هو صنع الرجال، وبالتالي فالتعبير الليتورجيّ في العبادة يعود بالطبع إليهم، بالمقابل، فالباب ليس مقفلاً تمامًا على العنصر النسائي، ذلك أنّ التقليد البيبلي بذاته يعترف أنّ التاريخ هو أيضًا صنع النساء، فهؤلاء يشاركن الله في عمله الخلاصي[11]  . يقولون إنّ موقف يسوع معياريّ بالنسبة للمسيحيّين، ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه: هل إنّ كلّ المؤسَّسات الكنسيّة المعاصِرة وردت في الإنجيل؟ ألم تستجدّ تغييرات عدّة في التاريخ؟ على سبيل المثال نذكر إستبدال التوبة العلنيّة، غير القابلة للإعادة، بالتوبة على حدة والتي يُمكن تكرارها. كذلك الأمر بالنسبة إلى العبور من الاحتفال بقدّاس يوم الأحد العلنيّ إلى القدّاس اليوميّ والفردي. أمّا موضوع بتوليّة الكهنة الإلزاميّة في الطقس اللاتيني، ألا تتنافى وإرادة يسوع الذي لم يشكّل عنده الزواج أيّ عائق في الخدمة الكهنوتيّة[12] ؟ في شرحه مشهد ترائي يسوع لمريم المجدلية بعد قيامته (يو 20: 11-18)، لا يتردّد أحد مفسّري الكتاب المقدّس من أن يكتب: تقدّم دعوة مريم المجدليّة إلى الرسالة الميزات الجوهريّة ذاتها التي تتميّز بـها دعوة بولس الطرسوسي؛ فلقد رأت يسوع القائم وسمعته وأرسلها هو نفسه بمثابة شاهدة. وعليه فلقد أعلن بولس بالصواب أنّه مساوٍ للرسل، ومريم بدورها تحيّيها الليتورجيا الشرقية بـ "المساوية للرسل"[13].
4- الدور الليتورجي الأكثر تناسبًا وطبيعة المرأة
بعد عرض كلّ البيّنات التي تتحفّظ عن دور المرأة الليتورجيّ المماثل للرجل والأخرى التي تُجيز لها أن تقوم به، يمكننا أن نستخلص ما يلي:
4-أ- للمرأة دور ليتورجي
role_liturgique_de_la_femme1-04على ضوء ميزات المرأة الأنثويّة يمكننا أن نستنتج الدور الموافق لشخصيّتها. وبالفعل، فإنّنا نلاحظ تطابقًا عميقًا بين مهام الشمّاسيّة والمواهب الأنثويّة. هنا سؤالان يطرحان ذاتهما: أليست المرأة في معظم الحضارات هي التي تعطي الغذاء؟ ثمّ، إنّ إصرار التقاليد الإنجيليّة على رواية الخِدَم التي تؤدّيها النساء، أليست صدىً لمطالبة النساء بممارسة بعض المهام الكنسيّة؟ بناءً على مسؤولياتها، يمكن للمرأة الشمّاسة أن تتدخّل في مختلف الأجهزة والمجالس التي تُهيّئ المشاريع الرعائية والتي تتّخذ القرارات التي تُلزِم مستقبل الكنيسة. أمّا في ما يخصّ التبشير، فليس من باب الإدّعاء أن نقول أنّ الله الذي أراد تعاون مريم مع المخلّص في عمل الفداء، هو ذاته يبغي تعاون المرأة مع الكاهن في عمل التبشير الكنسيّ. وبالفعل، فإنّ حضور مريم وبعض النساء يوم العنصرة يشير إلى أنّ مواهب الروح القدس حلّت عليهنّ كما على سائر الرسل. والحال، أنّه بين هذه المواهب، توجد موهبة التبشير؛ ممّا يؤهّل المرأة، التي قامت بدروس مناسبة وبتنشئة مخصّصة لها أن تكرز بالإنجيل مثل الشمامسة الرجال. إنّ الامتياز الذي حظيت به النساء خلال الظهورات الأولى بعد القيامة، يؤكّد أنّ يسوع لم يكن لديه أيّة نيّة لإبعادهنّ إلى مستوى ثانويّ، بل بالعكس، فهو يقدِّر أمانتهنّ المتجذِّرة في الارتباط. من هنا، يمكن للنساء أن تحظين بمهمّة حقيقيّة في سبيل خدمة كلمة الله.
4-ب- للمرأة دور رسوليّ
للمرأة دور رسوليّ يرتبط مباشرة بالعذراء مريم، العروس والأم. فالطريق التي سلكتها أمّ المسيح تعلّمنا وجود إرادة إلهيّة بأن يكون للمرأة رسالة خاصة توافق شخصها كامرأة. هذه الرسالة ليست غريبة عن الكهنوت بل تتعاون وإيّاه. فمريم كانت تعيش ملء متطلِّبات الكهنوت الملكي بصورة أفضل من أيّ شخص آخر، بقبولها بالطفل الإلهيّ في داخلها وبتقديمها إيّاه للآب[14]. يرمز العالم الأنثوي إلى أمومة الكنيسة وطواعيّتها وقبولها المملوء حبًا تلبيةً لمبادرة المسيح، الذي يريد أن يُغدق نعمه على عروسه وأن يجعلها منـزّهة عن كلّ عيب ومتألّقة بالجمال، والمرأة تتفوّق على الرجل في تجسيد الحب؛ ففي خضمّ الآلام، يشهد الانجيليّون الأربعة أنّ النساء كنّ أكثر أمانة ليسوع من الرسل أنفسهم.
على مثال العذراء مريم، تقوم النساء بدورٍ سامٍ ولكنّه خفيّ، تمامًا كدور الروح القدس. أليس الروح القدس الذي ترأّس سرّ التجسّد بصورة لامنظورة، يستمرّ في ترؤّس ولادة أبناء الله الفوق-طبيعيّة؟ إمتدادًا لعمل الروح هذا، يعود للمرأة المسيحيّة أمر إيلاد البنين الروحيّين بالألم. فالمرأة لا تحقِّق طبيعتها إلاّ بالعطاء، وبفعل إعطائها ذاتها تنقل الحياة، وتوطّد قيم الألفة والمودّة مع المسيح، إنّها القيم الجوهريّة للكنيسة العروس.
لا يجوز أن تُستَبعد المرأة عن كهنوت الكنيسة فهي تشارك بكهنوت المسيح مثل سائر المؤمنين، وبالتكرّس العماديّ تتحوّل إلى هيكل الروح القدس فتصبح قادرة لأن تتمّم أفعال العبادة المسيحيّة، وبنوع خاص، لأن تتّحد في تقدمة المسيح في الجماعة الإفخارستية. في فعل التكريس، تحوِّل المرأة وجودها إلى تسبيح لله، إلى تقريب شخصها "ذبيحة حيّة مقدّسة مرضيّة عند الله" (رو 12: 1).
تمثّل فضائل الطاعة والانقياد والارتباط لدى المرأة موقف الكائن الإنسانيّ تجاه الله، إنّه موقف المخلوق تجاه الخالق. أضف إلى ذلك، فهي ترمز بأمانة إلى تصرّف المسيح الجوهري في طاعته المثلى لتقديم ذاته، وفي البشارة، أظهرت مريم خضوعها لله، فاستَبَقت استسلام المسيح لإرادة أبيه[15]. إذًا، للمرأة دور ثنائي في رسالتها كعروس، ممّا يفترض المودّة والاتّحاد بالمسيح في عطاء كامل للذات، ثمّ بصفتها أم تلد أبناء الله بالتبنّي. أن تلد المرأة أبناء روحيين وتجعلهم ينمون بالمسيح، أليست هذه أمومة روحية باهرة[16]؟
role_liturgique_de_la_femme1-034-ج- التكامل بين الرجل والمرأة
لا يوجد أيّ التباس بين مصير المرأة والرجل إذ إنّ كُلاًّ منهما مدعو للقداسة. كلاهما مدعوّان للمشاركة في تحمّل مسؤولية الرسالة المشتركة، لا الخاصة بكل شخص على حدة. فالفرق بين الرجل والمرأة عليه أن يُعاش كموهبة تتكيّف مع الواحد والآخر، على أن تعود بالخير على الجميع. والمساواة لا تفترض التماثل، لأنّ الكنيسة هي جسد مميَّز، ولكلّ واحد دوره المغاير وليس المتمازج مع الآخر.
في 1كو 11: 11، يقول بولس: "إلاّ أنّه لا تكون المرأة بلا رجل عند الرب ولا الرجل بلا المرأة"، وبـهذا، يؤكِّد الرسول قناعته أنّه ليس هناك طبيعة إنسانيّة سيّئة بل كيفية عيش مختلفة. على الإنسان، أكان رجلاً أم امرأة، أن يكتشف دوره في مخطّط الله على البشريّة. فما هو جوهريّ في الله-الثالوث، إنّما هو وحدة الأشخاص في الاتّحاد، كذلك الأمر في ما يخصّ خلق الإنسان، رجلاً وامرأة، فما هو أوّلي، إنّما هو التناغم الأساسيّ، كنتيجة حتميّة للحبّ الذي يؤدّي إلى ارتفاع الخليقة كلّها صوب الله.
في النهاية، يؤدّي التكامل بين المرأة والرجل إلى جمع غناهما وديناميّتهما الخاصة فيعملا على بناء عالم ليس متساوٍ ومتماثل بل متناغم وموحّد.
الخاتمة
لم يزل الله يتكلّم بأشكالٍ شتّى، ولم يزل يُملي إرادته من خلال أحداثٍ يُمكنها أن تكون، في بعض الأحيان، ذات وقعٍ بالغٍ. أمّا لقراءتها وسبر أغوارها، فالروح القدس وحده يمكنه أن يأتي لنجدة المؤمنين ليقوموا بقراءة صحيحة.
قد ترسم الكنيسة الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة يومًا ما نساءً كاهنات، وقد لا تفعلان، ولكن المهم أنّه يجب الاّ تقومان بعملٍ كهذا في سبيل إرضاء رغبات متطفِّلة لدى البعض بل تلبيةً لحاجات الخدمة. فالمقصود ليس المنافسة الأنثويّة-الذكوريّة أو محو الفروقات بين الرجل والمرأة، لأنّ النتيجة ستكون خسارة لكليهما على السواء.
المستقبل ليس مُلكًا لأحد؛ إنّه مُلك الله، لنترك المسألة مفتوحة على آفاقٍ مستقبليّة. المهمّ أنّ عدم تمكّن المرأة من اكتساب سائر الخدم والمسؤوليّات المعطاة للرجل، ليس عليه أن يشكّل عائقًا، أو يكوِّن مشكلة لا حلّ لها، أو يخلق شعورًا بالدونيّة لديها، بل بعكس ذلك، فالمرأة منعَمٌ عليها بكلّ المواهب الإنسانيّة. بالإضافة إلى ذلك، إذا كان الكاهن يتشرّف بتمثيل المسيح في احتفاله بالأسرار، فهي أيضًا تمثِّل الروح القدس بعمله الصامت وإحيائه المثمر كلَّ أسرار الكنيسة.
في النهاية على المرأة ألاّ تنسى أنّها مدعوّة للاتّحاد بالمسيح قبل أن تمثّله. دعوتها هي بالحري الانضمام والالتحام في ذبيحة الابن، لكيما بعد ذلك تُنجب له البنين الروحيين.


[1] Cf. FROST, F., "Ministère", in Catholicisme, t.IX, col. 222.
[2] نورد بعض الأمثلة: فلقد تحدّث يسوع بانفراد مع امرأة سامرية ممّا أثار دهشة تلاميذه ( را يو 4: 27)؛ وسمح لامرأة خاطئة أن تبلّ قدميه بالدموع وتمسحهما بشعر رأسها وتقبّل قدميه وتدهنهما بالطيب ( را لو 7: 38)؛ ولقد عفا عن الزانية التي كان موسى أوصى برجمها ( را يو 8: 1-11)؛ وكان له صديقات نساء يحبّهنّ من بينهنّ مرتا ومريم ( را يو 11: 5).
[3] "فليس هناك يهوديّ ولا يونانيّ، وليس هناك عبدٌ أو حرٌ، وليس هناك ذكرٌ وأنثى، لأنّكم جميعًا واحدٌ في المسيح يسوع" (غل 3: 28).
[4] يتّفق آباء الكنيسة ولاهوتيّو القرون الوسطى على أولويّة الرجل على المرأة وافتراض تسلّطه عليها؛Cf. GOSMANN, E., "La construction de la différence des femmes dans la Tradition chrétienne", Concilium 238 (1991) 75.
[5] راجع أيضًا 1كو 14: 34-35.
[6] Cf. FEUILLET, A., Jésus et sa mère, Gabalda, Paris 1978, 225.
[7]يتوافق النقد الخارجي والنقد الداخلي في هذه الحالة للدلالة على أنّ الآيات المذكورة أعلاه هي ملحق بعيد عن النص الأصلي للفصل 14، كما أنّه بعيد عن الفكر البولسي؛ Cf. GRYSON, R., Le Ministère des femmes dans l'Eglise ancienne, Duculot, Belgique, 1972.
[8] صحيح أنّ كلمة الله، عندما ظهر على الأرض، أخذ جسد رجل، ولكنّ علينا ألاّ ننسى أنّه أخذ جسده هذا من امرأة.
[9] را لو 11: 49؛ مت 23: 34؛ يو1.
[10]"لا بدّ من إعادة بناء الكريستولوجيا من خلال إعادة التفكير في مبدأ الأنتروبولوجيا الذي أدّى إلى هذا التعلّق بذكورة المسيح وبالمعنى اللاهوتي لرمزه" Cf. JOHNSON, E., "La masculinité du Christ", Concilium 238 (1991) 145-154.
[11] من بين الأمثلة التي تفيدنا عن دور النساء الخلاصي نذكر: القابلتان المصريتان اللتان لم تُميتا المواليد الذكور كما أمرهما فرعون بل استبقتاهم أحياء (را خر 1: 17-19)؛ كذلك الأمر فإنّ ابنة فرعون لعبت دور المخلِّصة إذ أشفقت على أحد أولاد العبرانيين الموضوع في سلّة على حافة النهر وأنقذته من الموت (را خر 2: 1-10)؛ وبدورها امرأة موسى أنقذته من الموت إذ ختنته (را خر 4: 24-25)؛ ثمّ إن ميكال خلّصت حياة زوجها داود من الموت بعد أن كان والدها شاول يترصّده ليقتله (را 1صم 19: 11-17)؛ إلخ.
[12] لقد أُخذ القرار في بتوليّة الإكليريكيين، من شمامسة وكهنة وأساقفة، في مجمع إلفير (Elvire) الذي عُقد في إسبانيا، بين سنتي 300 و 303، فغيّر تقليدًا رسمه يسوع ودام حوالي أربعة قرون. Cf. MATHON, G., Le mariage des chrétiens des origines au concile de Trente, Desclée, Paris 1993, 83-85; HEFELE, Ch. J., Histoire des conciles d'après les documents originaux, t.I, Letouzey et Ané, Paris 1907, 212-264.
[13] Cf. VINATIER, J., La femmeparole de Dieu et avenir de l'homme, Ouvrières, Paris 1972, 11
[14] فإذا كان الكاهن يمثّل ذكرى وعلامة أسرارية للمسيح، الكاهن الأعظم، من جهتها، تمثّل المرأةُ مريم وتشكِّل علامة للكنيسة؛ Cf. FEUILLET, A., op. cit. 1978, 252.
[15] Cf. GALOT, J., L'Eglise et la femme, Duculot, Paris 1965, 191.
[16] فلا يكفي أن تكون النساء مستمعات أو مستشارات أو مدعوّات، بل من الضروري أن يكون لهنّ صوت تقريريّ.